تتكون مجموعة « البريكس » من الدول الصاعدة (البرازيل، وروسيا، والصين، والهند، وجنوب إفريقيا) التي تشترك في الكثافة السكانية، والطفرة الإقتصادية، وضخامة الرقعة الجغرافية. إذ تمثل كل هذه الدول مجتمعة 42%[1] من مجموع سكان العالم. كما أصبحت اليوم المساهم الأول في الناتج المحلي الاجمالي العالمي بنسبة 31,58% لتتفوق بذلك على مجموعة الدول الصناعية السبع التي تمثل 30,3%.[2]
تجتمع كل دول مجموعة « البريكس » حول نفس الهدف المتمثل في إحداث تغييرات في النظام المالي العالمي، الذي تم تكريسه في إتفاقيات بريتون وودز سنة 1944. ويأتي تكوين هذه المجموعة بمبادرة من روسيا، التي دعت سنة 2006 إلى إنعقاد إجتماع مع الصين والبرازيل والهند على هامش قمة مجموعة الثمانية، التي إنعقدت في روسيا يومي 15-17 جويلية 2006[3]. وقد تم الإعلان رسميا عن إنشاء مجموعة « البريك » بمناسبة أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نفس السنة في نيويورك
وفي إطار متابعة هذا القرار، دعت روسيا لعقد أول قمة لهذه المجموعة في مدينة يكاترينبورغ بسيبيريا سنة 2009، وقد تم الإتفاق خلالها حول دعم مجهودات مجموعة العشرين، والمطالبة بإجراء إصلاحات للمؤسسات الإقتصادية الدولية، كما إتفق المشاركون على تحديد موعد القمة التالية التي إنعقدت بالبرازيل سنة 2010[4]. وإنضمت جنوب إفريقيا إلى « البريكس » سنة 2010 خلال إجتماع لوزراء خارجية دول المجموعة في نيويورك، منذ ذلك الوقت أطلق عليها إسم « البريكس
وبهدف المحافظة على الإستمرارية، إتفقت الدول الخمس على دورية إجتمعاتهم بصفة سنوية، وعلى تعزيز التعاون في ما بينهم عبر إبرام عدد من الإتفاقيات التجارية، وإحداث بنك تنمية جديد سنة 2015، وهي خطوة مهمة لتعزيز مكانة المجموعة على الساحة الدولية
وقد أكد الفصل الأول للإتفاقية المنشئة للبنك على أن دور هذه المؤسسة لا يقتصر فقط على تعزيز التنمية بين الدول الأعضاء، بل يتجاوز ذلك بالإنفتاح على مختلف الإقتصادات الناشئة في العالم[5]
ورغم لمحة التشاؤم التي صاحبت إنشاء هذه المجموعة، حيث شكك عديد من الملاحظين الغربيين في ديمومتها، تمكنت دول « البريكس » من المحافظة على دورية إنعقاد إجتماعاتها، وتعزيز آليات التعاون في ما بينها بهدف المساهمة في تغيير ملامح النظام العالمي السائد والإنتقال من نظام أحادي الجانب يهيمن عليه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى نظام متعدد الأقطاب. وقد برزت أهمية مجموعة « البريكس » مجددا إثر إندلاع الحرب في أوكرانيا « فيفري 2022″، وما أفضت إليه من هزات على مستوى إستقرار العلاقات الدولية، وخاصة التعاون متعدد الأطراف ونجاعة المؤسسات الدولية المنبثقة بعد الحرب العالمية الثانية. فضلا عن بروز دور عالمي جديد للدبلوماسية الصينية
الأزمة الروسية الأوكرانية وإزدياد أهمية »البريكس » على الساحة الدولية
أبرزت عملية التصويت حول قرار جمعية الأمم المتحدة المتعلق بإدانة التدخل الروسي في أوكرانيا إختلافا في المواقف بين البرازيل التي صوتت لصالح القرار[6]، والصين والهند وجنوب إفريقيا التي خيرت الإمتناع على التصويت في إشارة واضحة إلى رفضها إدانة العملية العسكرية الروسية. وقد أكدت الصين هذا الموقف، خلال إجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في نيوديلهي بتاريخ 1-2 مارس [7]2023، عندما رفضت إصدار بيان يدين التدخل الروسي في أوكرانيا. ولم يشكل تباين المواقف السياسية عائقا أمام مواصلة أنشطة « البريكس »، إذ إنعقدت القمة السنوية في جوان 2022 في بكين بحضور جميع الدول، مما يبرز تماسك المجموعة
أما فيما يخص الجانب الإقتصادي، فقد أثرت الأزمة الروسية الأوكرانية على إستقرار سوق النفط، وبرز دور روسيا على المستوى الدولي من خلال إقناع دول مجموعة أوبك بخفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميا، وما لهذا القرار من تداعيات على إرتفاع أسعار النفط في عدة دول في العالم. كما بينت هذه الأزمة مدى تماسك دول مجموعة « البريكس » على المستوى الإقتصادي، إذ عززت العقوبات الغربية المسلطة على الإقتصاد الروسي نسبة المبادلات التجارية بين كل من روسيا والصين والهند
ففي سنة 2021 إستوردت الصين النفط من روسيا بمعدل 1,6 مليون برميل يوميا[8]، وشهدت هذه الأرقام إرتفاعا مهولا بعد العقوبات الغربية على النفط الروسي لتصل إلى 2,27 مليون برميل يوميا في شهر مارس [9]2023. كما إرتفعت نسبة تصدير النفط الروسي إلى الهند لتصل إلى 1,4 مليون برميل في اليوم[10]
وقد تلت الأزمة الروسية الأوكرانية، أحداثا أخرى بقيادة الصين أدت إلى بروز مجموعة « البريكس » على الساحة الدولية بشكل متزايد
« دور الدبلوماسية الصينية في تعزيز مكانة « البريكس
تعد الصين القلب النابض لمجموعة « البريكس » نظرا لكونها قوة صاعدة لا على المستوى الإقتصادي فقط بل على المستوى الدبلوماسي أيضا، إذ عززت اليوم مجال نفوذها الدبلوماسي عبر الحدث التاريخي المتمثل في قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية المنعقدة في ديسمبر 2022
على الرغم من تأكيد بايدن في قمة جدة للأمن والتنمية التي إنعقدت يومي 15 و 16 جويلية 2022 في خطابه على إلتزام الولايات المتحدة الأمريكية بحماية أمن الشرق الأوسط كما أضاف أنه « لن يترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران »[11]، إلا أن الصين إستغلت هذا الفراغ أحسن إستغلال، فلم تتوقف الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط عند حدود القمة العربية الصينية، بل تجاوزت ذلك بإحداث إنجاز دبلوماسي وصف بالتاريخي عندما لعبت دورا جوهريا في عودة العلاقات السعودية الإيرانية، مدخلة بذلك تغييرات جذرية على المنطقة خاصة وأن إيران لها تأثير مباشر على عدة دول خاصة اليمن ولبنان وسوريا والعراق
يعود النجاح الصيني في لعب دور رئيسي في عودة العلاقات السعودية الإيرانية بالأساس إلى سياسة الصين الخارجية القائمة على بناء علاقات دبلوماسية متينة مع أغلب دول منطقة الشرق الأوسط دون الإنحياز إلى طرف أو التدخل في صراعات دول المنطقة أو نشر قوات عسكرية، ويعكس الدور المتنامي للدبلوماسية الصينية في المنطقة أهمية العلاقات الإقتصادية التي شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة عبر إستيراد الصين لكميات هائلة من البترول من دول الخليج، ومشاركة الشركات الصينية في مشاريع كبرى للبنية التحتية، وكذلك التعاون الناشئ بين الطرفين في مجال البحث العلمي والتكنولوجي
« التحديات التي تنتظر القمة المقبلة لمجموعة « البريكس
من الواضح أن إشعاع مجموعة « البريكس » قد زاد في ظل الأحداث الأخيرة، فنظرا لبروز النزعة السيادية في العالم، أصبحت هذه المجموعة وجهة جديدة للدول النامية، خاصة وأن التعامل معها ليس مشروطا بنظام سياسي معين كما هو الحال مع الغرب وإشتراطه النموذج السياسي الديمقراطي. في هذا الإطار، أكد ممثل جنوب إفريقيا لدى مجموعة « بريكس » أنيل سوكلال بأن المجموعة « تلقت طلبات انضمام من 19 دولة بطرق مختلفة رسمية وغير رسمية »[12]
إجمالا، تعد القمة القادمة « للبريكس » المزمع عقدها هذه الصائفة في جنوب إفريقيا أهم قمة منذ إنشاء المجموعة، حيث ستتبلور من خلالها قرارات مصيرية تهم الجانب الإقتصادي في علاقة بتطور التعاون بين الدول الأعضاء، وكذلك أهمية إدخال بعض الإصلاحات على المؤسسات المنبثقة عن إتفاقيات بريتون وودز، وخاصة مكانة الدولار في المعاملات التجارية بين دول المجموعة. وفي هذا الإطار دعت الصين لإستخدام اليوان كعملة بديلة للدولار في المبادلات التجارية بين دول « البريكس »، وهذا ما يتماشى مع حرص روسيا على تجاوز آثار العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها من الغرب
من جهة أخرى، يمثل حضور الرئيس الروسي بوتين حرجا لجمهورية جنوب إفريقيا، بحكم أنه أصبح محل مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 17 مارس 2023، ويؤكد الملاحظون أن لهذه المذكرة تداعيات قانونية وسياسية في صورة ما إذا تجاهلتها الدولة المضيفة وقبلت حضور الرئيس بوتين إلى القمة، علما وأن جنوب إفريقيا من الدول الإفريقية الرئيسية المؤسسة لهذه المحكمة
مقال لعياض الجريدي، طالب باحث في قانون وسياسات الإتحاد الإفريقي ومتدرب بالمجلس التونسي للعلاقات الدولية
[1]BRICS Investment report (UNCTAD/DIAE/2023/1),p05
Link:https://unctad.org/system/files/official-document/diae2023d1_en.pdf
[2]إحصائيات صندوق النقد الدولي
Link: https://rb.gy/7ebzz
[3]Link: http://www.brics.utoronto.ca/about.html#bricsinfo
[4]Yekaterinburg, Russia, 2009 – Joint Statement
[5]Agreement on the New Development Bank, Article 1
Link : https://www.ndb.int/wp-content/uploads/2022/11/Agreement-on-the-New-Development-Bank.pdf
[6] Brazil votes to condemn Russia’s aggression against Ukraine at the UN General Assembly
Link: https://rb.gy/k4qvp
[7] G20 Foreign Ministers’ Meeting (New Delhi, 1-2 March 2023) Link: https://rb.gy/3z7zq
[11]https://www.alhurra.com/arabic-and-international/2022/07/16/
بايدن-قمة-جدة-لن-نترك-فراغا-تملؤه-الصين-روسيا-إيران
[12] « بريكس » تتلقى طلبات انضمام من 19 دولة قبل قمة جنوب أفريقيا »، نشرعلى موقع سبوتنيك بتاريخ 25 أفريل 2023، اطلع عليه بتاريخ 2 ماي 2023.https://sputnikarabic.ae/amp/20230425/%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D8%AA%D8%AA%D9%84%D9%82%D9%89-%D8%B7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%86%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86-19-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-1076258507.html